فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور}.
وقالت فرقة {الزبور} اسم يعم جميع الكتب المنزلة لأنه مأخوذ من زبرت الكتاب اذا كتبته، قالت هذه الفرقة و{الذكر} أراد به اللوح المحفوظ، وقال بعضهم {الذكر} الذي في السماء، وقالت فرقة {الزبور} هو اسم زبور داود، و{الذكر} أراد به التوارة، وقالت فرقة {الزبور} ما بعد التوارة من الكتب، و{الذكر} التوراة، وقرأ حمزة وحده {الزُّبور} بضم الزاي، وقالت فرقة {الأرض} أراد بها أرض الدنيا أي كل ما يناله المؤمنون من الأرض، وقالت فرقة أراد أرض الجنة، واستشهدت بقوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء} [الزمر: 74] وقالت فرقة إنما أراد بهذه الآية الإخبار عما كان صنعه مع بني إسرائيل أي فاعلموا أنا كما وفينا لهم بما وعدناهم فكذلك ننجز لكم ما وعدناكم من النصرة.
{إِنَّ فِي هذا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)}.
قالت فرقة الإشارة بقوله: {في هذا} إلى هذه الأبيات المتقدمة، وقالت فرقة الإشارة إلى القرآن بجملته، والعبادة تتضمن الإيمان بالله تعالى، وقوله: {إلا رحمة للعالمين} قالت فرقة عم العالمين وهو يريد من آمن فقط، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس برحمة على من كفر به ومات على الكفر، وقالت فرقة العالمون عام ورحمته للمؤمنين بينة وهي للكافرين بأن الله تعالى رفع عن الأمم أن يصيبهم ما كان يصيب القرون قبلهم من أنواع العذاب المتسأصلة كالطوفان وغيره.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل الكلام أن يكون معناه وما أرسلنك للعالمين إلا رحمة أي هو رحمة في نفسه وهذا بين أخذ من أخذ، وأعرض عنه من أعرض. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولقد كَتَبْنَا في الزَّبور من بعد الذِّكْر} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن الزَّبور جميع الكتب المنزَلة من السماء، و{الذِّكْر}: أُمُّ الكتاب الذي عند الله، قاله سعيد بن جبير في رواية، ومجاهد، وابن زيد، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية ابن جبير، فإنه قال: الزبور: التوارة والإِنجيل والقرآن، والذِّكر: الذي في السماء.
والثاني: أن الزبور: الكتب، والذِّكر: التوراة، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: أن الزبور: القرآن، والذِّكْر: التوراة والإِنجيل، قاله سعيد بن جبير في رواية.
والرابع: أن الزبور: زبور داود، والذِّكْر: ذِكْر موسى، قاله الشعبي.
وفي الأرض المذكورة هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها أرض الجنة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الأكثرون.
والثاني: أرض الدنيا، وهو منقول عن ابن عباس أيضًا.
والثالث: الأرض المقدسة، قاله ابن السائب.
وفي قوله تعالى: {يرثها عباديَ الصالحون} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
وفي رواية: ترث أُمَّة محمد أرض الدنيا بالفتوح.
والثاني: بنو إِسرائيل، قاله ابن السائب.
والثالث: أنه عامّ في كل صالح، قاله بعض فقهاء المفسرين.
قوله تعالى: {إِن في هذا} يعني: القرآن {لَبَلاغًا} أي: لَكِفاية؛ والمعنى: أن من اتَّبع القرآن وعمل به، كان القرآن بلاغه إِلى الجنة.
وقوله تعالى: {لقوم عابدين} قال كعب: هم أُمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلُّون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان.
قوله تعالى: {وما أرسلناكَ إِلا رحمة للعالَمين} قال ابن عباس: هذا عامّ للبَرِّ والفاجر، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به صُرفت عنه العقوبة إِلى الموت والقيامة.
وقال ابن زيد: هو رحمة لمن آمن به خاصة.
قوله تعالى: {فهل أنتم مسلمون}.
قال ابن عباس: فهل أنتم مخلِصون له العبادة؟ قال أهل المعاني: هذا استفهام بمعنى الأمر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور}.
الزبور والكتاب واحد؛ ولذلك جاز أن يقال للتوراة والإنجيل زبور.
زَبرت أي كتبت وجمعه زُبُر.
وقال سعيد بن جبير: {الزّبور} التوراة والإنجيل والقرآن.
{مِن بَعْدِ الذكر} الذي في السماء {أَنَّ الأرض} أرض الجنة {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} رواه سفيان عن الأعمش عن سعيد بن جبير.
الشعبي: {الزّبور} زبور داود، و{الذكر} توراة موسى عليه السلام.
مجاهد وابن زيد: {الزّبور} كتب الأنبياء عليهم السلام، و{الذّكر} أم الكتاب الذي عند الله في السماء.
وقال ابن عباس: {الزّبور} الكتب التي أنزلها الله من بعد موسى على أنبيائه، و{الذكر} التوراة المنزلة على موسى.
وقرأ حمزة {فِي الزُّبُورِ} بضم الزاي جمع زِبْرٍ.
{أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} أحسن ما قيل فيه أنه يراد بها أرض الجنة كما قال سعيد بن جبير؛ لأن الأرض في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم.
وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما.
وقال مجاهد وأبو العالية: ودليل هذا التأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض} [الزمر: 74] وعن ابن عباس: أنها الأرض المقدّسة.
وعنه أيضًا: أنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح.
وقيل: إن المراد بذلك بنو إسرائيل؛ بدليل قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ حمزة {عِبَادِي الصَّالِحُونَ} بتسكين الياء.
{إِنَّ فِي هذا} أي فيما جرى ذكره في هذه السورة من الوعظ والتنبيه.
وقيل: إن في القرآن {لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} قال أبو هريرة وسفيان الثوري: هم أهل الصلوات الخمس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: {عابدين} مطيعين. والعابد المتذلل الخاضع.
قال القشيري: ولا يبعد أن يدخل فيه كل عاقل؛ لأنه من حيث الفطرة متذلل للخالق، وهو بحيث لو تأمل القرآن واستعمله لأوصله ذلك إلى الجنة.
وقال ابن عباس أيضًا: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان. وهذا هو القول الأول بعينه.
قوله تعالى: {وما أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الناس فمن آمن به وصدّق به سعد، ومن لم يؤمن به سلِم مما لحق الأمم من الخسف والغرق.
وقال ابن زيد: أراد بالعالمين المؤمنين خاصة.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يوحى إلى أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} فلا يجوز الإشراك به.
{فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أي منقادون لتوحيد الله تعالى؛ أي فأسلموا؛ كقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أي انتهوا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور من بعد الذكر}.
و{الذكر} التوراة قاله ابن عباس.
وقيل {الزبور} ما بعد التوراة من الكتب و{الذكر} التوراة وقيل {الزبور} يعم الكتب المنزلة و{الذكر} اللوح المحفوظ.
{الأرض} قال ابن عباس أرض الجنة.
وقيل: الأرض المقدسة {يرثها} أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والإشارة في قوله: {إن في هذا} أي المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعيد والوعيد والمواعظ البالغة لبلاغًا كفاية يبلغ بها إلى الخير.
وقيل: الإشارة إلى القرآن جملة، وكونه عليه السلام رحمة لكونه جاءهم بما يسعدهم.
{وللعالمين} قيل خاص بمن آمن به.
وقيل: عام وكونه {رحمة} للكافر حيث أخر عقوبته، ولم يستأصل الكفار بالعذاب قال معناه ابن عباس.
قال: عوفي مما أصاب غيرهم من الأمم من مسخ وخسف وغرق وقذف وأخر أمره إلى الآخرة.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون معناه {وما أرسلناك} للعالمين {إلا رحمة} أي هو رحمة في نفسه وهدى بين أخذ به من أخذ وأعرض عنه من أعرض انتهى.
ولا يجوز على المشهور أن يتعلق الجار بعد {إلا} بالفعل قبلها إلا أن كان العامل مفرغًا له نحو ما مررت إلاّ بزيد.
وقال الزمخشري: إنما تقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك: إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وقد اجتمع، المثلان في هذه الآية لأن {إنما يوحى إلى} مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و{إنما إلهكم إله واحد} بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مقصور على استئثار الله بالوحدانية انتهى.
وأما ما ذكره في {إنما} إنها لقصر ما ذكر فهو مبني على إنما للحصر وقد قررنا أنها لا تكون للحصر، وإنما مع أن كهي مع كان ومع لعل، فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي فكذلك لا تفيده مع أن وأما جعله {أنما} المفتوحة الهمزة مثل مكسورتها يدل على القصر، فلا نعلم الخلاف إلاّ في {إنما} بالكسر، وأما بالفتح فحرف مصدري ينسبك منع مع ما بعدها مصدر، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة، ولو كانت إنما دالة على الحصر لزم أن يقال إنه لم يوح إليه شيء إلاّ التوحيد.
وذلك لا يصح الحصر فيه إذ قد أوحى له أشياء غير التوحيد وفي الآية دليل على تظافر المنقول للمعقول وأن النقل أحد طريقي التوحيد، ويجوز في ما من {إنما} أن تكون موصولة.
{فهل أنتم مسلمون} استفهام يتضمن الأمر بإخلاص التوحيد والانقياد إلى الله تعالى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور}.
هو كتابُ داودَ عليه السلام، وقيل: هو اسمٌ لجنس ما أُنزل على الأنبياء عليهم السلام {مِن بَعْدِ الذكر} أي التوراةِ وقيل: اللوحِ المحفوظ أي وبالله لقد كتبنا في كتاب داودَ بعد ما كتبنا في التوراة أو كتبنا في جميع الكتب المنزلة بعد ما كتبنا وأثبتنا في اللوح المحفوظ {أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصالحون} أي عامةُ المؤمنين بعد إجلاءِ الكفار، وهذا وعدٌ منه تعالى بإظهار الدينِ وإعزازِ أهلِه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن المرادَ أرضُ الجنة كما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نشاء} وقيل: الأرض المقدسة يرثها أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ في هذا} أي فيما ذكر في السورة الكريمة من الأخبار والمواعظِ البالغة والوعدِ والوعيد والبراهينِ القاطعة الدالة على التوحيد وصحةِ النبوة {لبلاغا} أي كفايةً أو سببَ بلوغٍ إلى البُغية {لّقَوْمٍ عابدين} أي لقوم همُّهم العبادةُ دون العادة.
{وما أرسلناك} بما ذكر وبأمثاله من الشرائع والأحكامِ وغير ذلك من الأمور التي هي مناطٌ لسعادة الدارين {إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} هو في حيز النصب على أنه استثناءٌ من أعم العلل أو من أعم الأحوال، أي ما أرسلناك بما ذكر لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعةِ للعالمين قاطبةً، أو ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حالَ كونِك رحمةً لهم فإن ما بُعثتَ به سببٌ لسعادة الدارين ومنشأٌ لانتظام مصالحهم في النشأتين، ومن لم يغتنمْ مغانمَ آثارِه فإنما فرَّط في نفسه وحُرمةِ حقه لا أنه تعالى حَرَمه مما يُسعِده، وقيل: كونُه رحمةً في حق الكفار أمنُهم من الخسف والمسخِ والاستئصال حسبما ينطِق به قوله تعالى: {وما كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} {قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله واحد} أي ما يوحى إلى إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحدٌ لأنه المقصودُ الأصليُّ من البعثة، وأما ما عداه فمن الأحكام المتفرِّعة عليه فإنما الأولى لقصر الحُكم على الشيء كقولك: إنما يقوم زيد أي ما يقوم إلا زيد، والثانيةُ لقصر الشيءِ على الحكم كقولك: إنما زيدٌ قائم أي ليس له إلا صفةُ القيام {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أي مخلِصون العبادةَ لله تعالى مخصِّصون لها به تعالى، والفاءُ للدِلالة على أن ما قبلها موجبٌ لما بعدها. قالوا: فيه دَلالةٌ على أن صفةَ الوَحْدانية تصحّ أن يكون طريقُها السمعَ. اهـ.